– شو بتتمني بهالعيد؟
– بتمنى يصير كل شي منيح
بهذه البساطة تعبّر شهد عندما سألناها عن عن أمنياتها لعيد الفطر هذا العام.
“كل شي منيح”… يا لها من أمنية في عيد!
ولو تمعنّا جيّدا في هذه الأمنية فإنّها، وعلى بساطتها، تحمل في طيّاتها أمنيات وأمنيات كثيرة وأوجاعاُ غير محكية. فلا شك أنّ شهد تعيش حياة “كلّ ما فيها سيء” حتى عبّرت عن أمنيتها بأنّها تتمنّى “كلّ شيء جيّد”. وكيف لا يكون كل ما حولها سيئا وهي واحدة من ملايين الأطفال اللاجئين السوريين حول العالم المحرومين من أدنى حقوقهم ومن أدنى مستويات العيش الكريم.
وتتابع شهد: “يعني لقمة منيحة، لبس منيح، سكن منيح، صير روح عالمدرسة وإتعلّم أنا وإخواتي… كل شي، كل العيشة!”
وفي مشهد آخر، رأينا رباب. هي ابنة العشر سنوات، بثيابها الرثّة وشعرها الأشعث، تجلس وحيدة بعيدة عن تجمّعات الأطفال، وصمتها العميق يحمل في جعبته ألماً يدخل في أعماق قلبك.. تعبّر عن العيد بالقول: “أنا ما بحب العيد لأن بالعيد بزعل لما يضحكوا عليّي رفقاتي ويعايروني إنّي يتيمة ما عندي أب يشتريلي فستان جديد للعيد”
تلك بضع كلمات من أطفال يعيشون في مخيّمات أقلّ ما يُقال عنها أنّها مكان لا تصلح للعيش الكريم لأي إنسان. وتشير الإحصاءات إلى أنّ نصف اللاجئين السوريين في لبنان هم من الأطفال. فكيفما سرت في هذه المخيّمات تجد حولك أطفالا، يمرحون ويلعبون، هذا يلعب بالوحل والطين وتلك تستمتع بالقفز في بركة من مياه ملوّثة وذاك يسير حافي القدمين بثياب رثّة ممزّقة، وذلك يلعب ببعض حطامٍ التقطه من هنا وهناك، وطبعا من بينهم المعوّق العاجز عن المشي والمتوحّد والكفيف وغيرهم من ذوي الإعاقات والاحتياجات الخاصّة.
وهذه رهف، بإحساسها المرهف، لا تجد ما تعبّر عنه من أماني في العيد إلا قولها: “بتمنّى إنو أخوي يصير يقدر يمشي”، ثمّ تجهش بالبكاء ويكأنّها أمّه التي ولدته لا أخته. رهف لا تريد شيئاً لنفسها في الحياة، بل كلّ ما تبغيه أن يصبح أخوها أحمد البالغ من العمر 4 سنوات كغيره من الأطفال يجري ويلعب، وهو المُصاب بداء عصبي أقعده عن السير.
تُخبرنا أم محمود، وهي لاجئة وأم لخمسة أطفال في إحدى مخيّمات اللاجئين شمال لبنان، أنّ أولادها لا يعرفون من الحياة شيئاً غير مخيّمهم، لدرجة أنّهم حين خرجوا من المخيّم لأول مرة وشاهدوا المنازل استغربوا أن ليس كل النّاس يقطنون في خيم! وها هو ابنها محمود ابن الخمس سنوات يقترب منّا ليطلعنا على دفتره وبضع أقلام، قائلا: “في العيد أتمنّى أن أعود للمدرسة وأتعلّم!”
تضمّ خيم اللاجئين حكايا كثيرة خلف شوادرها وستائرها القماشية والبلاستيكية، حكايا موجعة عن أبسط الاحتياجات الإنسانيّة المفقودة، عن أوجاع جسديّة ظاهرة وعن آلام نفسية صامتة، عن أرواح بريئة تعيش شقاء الحياة باكراً جداً، وعن أمنيات بسيطة مهما عظمت وارتقت لا تكاد تصل إلا إلى مرتبة تمنّي لقمة هنيئة ووسادة مريحة.
ويبقى أكثر ما يحزنك الأطفال…
منذ نشأتها عام 2012، تعمل أوردا على تقديم الخدمات الإنسانية للاجئين السوريين في لبنان، خاصّة الأطفال منهم. يحرص قطاع التعليم على تقديم التعليم الرسمي المنهجي للأطفال السوريين ومحو أميّة العديد منهم، كما يعمل قطاع الكفالات على تأمين كفلاء للأيتام مع أنشطة تعمل على تطويرهم ، أمّا قطاع الحماية فيعمل ضمن برنامج حماية الطفل على تقديم الدعم النفسي الاجتماعي للأطفال مع إدارة الحالات. هذا بالإضافة إلى مساندة هؤلاء الأطفال باحتياجاتهم الحياتية الأساسية من غذاء ومأوى ودواء عبر قطاعات الصحة والإغاثة والإيواء. كما يسعى قطاع سبل العيش إلى تنمية المهارات وبناء القدرات خاصة ضمن فئة النساء والأمهات عبر تمكينهنّ وتعليمهن مهناً يستطعن من خلالها تأمين سبل عيشهنّ وعيش أطفالهنّ. ولقد حقّقت أوردا كثيرا من قصص النجاح في هذه القطاعات عبر دعم أهل الخير والشركاء والمانحين الذين آمنوا بأهميّة تقديم يد العون لمجتمعات اللاجئين لإنقاذهم من بؤس وحرمان كُتب عليهم.
ومع اقتراب عيد الفطر السعيد، أعاد الله على الجميع بألف خير، تضع أوردا يديها بأيدي كلّ من يُسارع لرسم بسمةٍ على وجه طفل لاجئ، عبر تأمين هدية أو كسوة لهذا العيد.