منذ نهاية العام ٢٠١٢ ،مع بدء تصاعد موجات اللجوء السوري إلى لبنان هرباً من النزاع الدامي هناك قامت في بعض المناطق اللبنانية وخاصة الحدودية اللبنانية – السورية مخيمات عشوائية بعضها فيها غرف حجرية أو جدرانها من حجارة (١٠٠٠غرفة حجرية بمنطقة عرسال وعدد كبير من الخيام فيها جدران حجرية و سقف من التنك وكذلك في مناطق البقاع وعكار وغيرها) وذلك لإيواء عشرات الآلالف من السوريين الذين عبروا الحدود البرية لتقيهم تلك الجدران من صقيع الشتاء وقيظ الصيف ريثما تزول موانع عودتهم إلى مناطقهم المدمرة، وذلك في ظل استمرار الدولة اللبنانية برفض إنشاء مخيمات مؤقتة برعاية األمم المتحدة لهؤلاء اللاجئين.
تشير الإحصاءات المحلية إلى وجود أكثر من ٧٠٠٠ خيمة فيها جدران حجرية بينها ٢٥٠٠ خيمة في بلدة عرسال الحدودية وحدها، تقطنها نحو سبعة آالف عائلة سورية أغلبيتها الساحقة مسجلة لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
قرار اتخذ في أعلى سلم هرم السلطة السياسية اللبنانية يقضي بهدم هذه الخيم الباطونية أو إزالة الجدران الحجرية والأسقف التنك والزينكو ما يعني تشريد نحو ٣٥ ألف لاجئ سوري من دون لهم، علما أن اللاجئين ينتمون إلى مناطق سورية تعاني من أوضاع سيئة جدا على المستويينالأمني والاقتصادي وقد أكد رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري،
أن القرار تم اتخاذه في اجتماع مجلس الدفاع الأعلى بحضور وزيري الدفاع والداخلية، وصدر
القرار بإزالة كل بناء حجري بمخيمات النازحين السوريين في عرسال وكل لبنان، وعن المهلة
المعطاة لإخلاء الخيام أوضح الحجيري أنها 10 حزيران المقبل وهذا ما نقلته مفوضية اللاجئين
في اجتماعاتها وما تبلغه محافظون ورؤساء بلديات.
إن العبء القائم على الدولة اللبنانية المضيفة بسبب وجود الالجئين السوريين في لبنان هو قضية لا يمكن معالجتها آحادياً وخصوصاً من دون رعاية المجتمع الدولي الذي يستمر في دعم اللاجئين والدولة المضيفة بكل إمكانياته منذ بدء الأزمة السورية. وإن الضغط من أجل دفع اللاجئين للعودة للقانون اإلنساني الدولي وإنما
إلى سوريا على طريقة فرض أهون الشرين ليس فقط مخالفاً للقانون الدولي الإنساني وإنما مخالفا لالتزامات لبنان الدولية (الإعلان العالمي لحقوق الانسان، اتفاقية مناهضة التعذيب، والبروتوكول الموقع مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين).
وفي جميع الأحوال، لا يمكن إلجراء مثل هدم جزء من مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان أن يأتي ثماره المرجوة، لأن اللاجئ السوري الذي قبل بالعيش في خيمة بظل أصعب الظروف الطقسية والأمنية. إنما قبل بذلك خشية من الأسوأ أي من المجاعة أو التشرد أو التعذيب والموت. فاللاجئ الحقيقي هو الذي لا يمكنه العودة لعدم توفر أسباب الأمن له في بلده، وإن تشريده في بلد اللجوء لن يدفعه ذلك إلا لمزيد من الهرب والاختباء والانصياع وراء عوامل الفساد والتطرف الذي ينشأ في أجواء الفقر والمرض والجهل والخوف والظلم.
إن اعتبار عامل توقف الحرب في كثير من المناطق السورية مبررا لعودة اللاجئين كافياً ومشروعاً هو غير واقعي وذلك لأن عوامل أخرى تتضافر لمنع الكثير من اللاجئين من العودة إلى سوريا: غياب البنى التحتية والصحية، وأعمال الثأر بين أبناء القرى والمجتمعات المتناحرة خلال مراحل النزاع المختلفة، والتغيير الديموغرافي المصطنع الحاصل في الكثير من المناطق، واختلاف البيئة الحامية ووجود مليشيات غير حكومية لا تخضع لسلطة الحكومة المركزية في سوريا في مناطق اخرى، إضافة لعدم حل مشكلة التجنيد الإلزامي والمنشقين أو الفارين من الجيش السوري النظامي، عدا عن استمرار الدمار البنيوي والنزاع المسلح في مناطق الشمال السوري.
إن قرار هدم هذه المخيمات التي هي أصلا دون الحد األدنى من المعايير اإلنسانية وال تفي بحاجة تلك العائلات من الأمن الاجتماعي، سيؤدي إلى تشريد عشرات اآلالف من الأشخاص، وسيزيد الأسوء سوءا خدمات ولو مبدئية في وقت تجهد فيه الجهات الإنسانية العاملة على تأمين ما أمكن من لهؤلاء اللاجئين الموجودين في لبنان قسريا خاصة وأن مجموع هذه الخيام والغرف السبعة آلاف لا يقطنها سوى أربعة بالمائة فقط من اللاجئين السوريين في لبنان.
إن القول بأن هذه المخيمات العشوائية ذات الجدران الحجرية هي مقدمة للتوطين أو لبقاء دائم لهؤلاء اللاجئين في لبنان، على غرار التجربة الفلسطينية، ينافي المنطق، ليس فقط لأن وضع اللاجئ السوري مختلف تماماً عن اللاجئ الفلسطيني، إذ أن الأخير فقد أرضه وجنسيته واحتل بيته شعب آخر بينما الأوال لا زال يملك جنسية معترف بها ولم يفقد جواز سفره وال تزال دولته تقول أنها ترحب بعودته، بل ألن الجنسية اللبنانية ال تمنح سوى بمرسوم جمهوري في جميع الأحوال لمن لم يلد من أب لبناني أو لم يوجد مكتوم الجنسية في لبنان.
وبناء على كل ذلك، فإننا كمنظمات مجتمع مدني وناشطين مدنيين وحقوقيين الموقعين أدناه:
نطالب الجهات المعنية في الدولة اللبنانية بكل مستوياتها وخاصة رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس الحكومة والحكومة ومجلس الدفاع الأعلى النظر بعين الرأفة والرحمة إلى واقع هؤلاء اللاجئين وإيقاف تنفيذ قرار هدم هذه الخيام مراعاة للوضع الإنساني الذي يعيشه هؤلاء، أو تأمين بدائل مناسبة إنسانيا من دون تحميل هذا الالجئ كلف تلك البدائل وذلك ريثما تنجح حلول إعادة اللاجئين إلى بالدهم التي تسعى بها الحكومة اللبنانية عبر مبادرات واتصاالت تقوم بها.
إننا نطالب الجميع بتحمل مسؤولياتهم الإنسانية أمام هذه القضية التي فيما لو حصلت فإنها ستزيد من وضع هؤلاء اللاجئين المنكوبين بؤساً وستزيد الحمل على المنظمات اإلنسانية وعلى المجتمع اللبناني، كون الكثير من هؤالء سيتشتتون في قلب األحياء السكنية اللبنانية ويحملون معهم ما وقد يشكل كل ذلك ضغطاً مضاعفاً يحملون من فقر وعوز، على البلديات والمجتمع المحلي اللبناني الذي يعاني مما يعانيه أصلاً من سوء في البنى التحتية والكهرباء والمياه والطرقات وأزمة السكن.